الجمعة، 27 مايو 2016

يوم عمل .. في أوله

يومك في الشغل ببلش بمبادلة النظرات الحذرة بينك وبين مديرك . هو متأهب .. وانت أكثر تأهبا .. على الأغلب ما في اي نوع من انواع الخلافات الشخصية بينك وبينه ؟؟ ليش؟؟ لانه مديرك لا يأبه من قريب او بعيد لتفاصيل حياتك الشخصية.. ما بهمه اختلاجاتك وتأوهاتك طول ما هي خارج باب الشركة .. تفاصيل حياتك الشخصية كلها على بعضها ما بتهمه . وانت على الأغلب بتبادله نفس الشعور .. الا طبعا في حاله وحده.. اي سؤال شخصي صادر منك باتجاه مديرك ..99% منه الهدف بكون توصل رساله مفادها " نعم يا مديري العزيز .. انا بسأل عنك عشان انا بحبك عشان تدير بالك علي" .. المهم .. كل هذا يولد ذلك النوع من الحذر في النظره الصباحية بينك وبين المدير.. وهي نظره لا اراديه .. اجواء العمل واجواء العلاقة بين الرئيس والمرؤوس هي المنبع الاساسي لهاي النظره .. بعد تبادل اطراف الحديث مع المدير ... تحاول ان توصل له رساله مفادها " ارجوك لا تفتح معي موضوع الشغل قبل ما اشرب كاسة النسكافيه" .. ( هل تعلم: انه اذا مديرك ما بيشرب نسكافيه فأنت من اسوأ الموظفين حظا على وجه الكرة الأرضيه؟؟!) لانه ما راح يشعر بمدى حاجه خلايا مخك الماسة في لحظة ما الى الكافيين لتعاود تفعيل خاصية بمخك .. خاصية اسمها (ادراك الكوكب والشعور اتجاهه) .. مجرد ما ان ينشغل مديرك بمحادثة جانبيه مع موظف اخر ويشيح بنظره عنك .. تشعر في تلك اللحظة بانك تتذوق طعم الحرية للمرة الأولى في حياتك .. فتخرج مسرعا صوب الأمتار المربعه التي انشأتها الشركة على مضض ليتمكن الموظفين من قضاء وقت السيجارة فيها .. وحتى لا ينتشر الموظفين بسجائرهم اللانهائية في الأزقه وعلى مدخل الشركة مشكلين بذلك مشهد سريالي لقطيع من الأغنام تشرد بمجرد ان سهت عين الراعي لثواني ... المشهد في منطقة التدخين مشهد لايفسر .. أو من ناحية أخرى فانني أعتقد أن على اي طالب في مجال علم النفس كي يثري قدرته على تحليل الوجوه ان يتردد الى مربعات التدخين من مرتين الى ثلاث مرات في اليوم كي ينمي قدرته على قراءة الوجوه وتحليلها ... الوجوه ..من ناحية ما .. لا تفسر .. ومن ناحية اخرى فهي تعج بكم هائل من المشاعر ... الكل منشغل بسيجارته .. عيناه تسبح في اللامكان .. وفي كل نفثه تشعر بان صاحب السيجارة يستجدي همومه كي تخرج يدا بيد مع دخان سيجارته الى الفضاء ... ما ن تنتهي من تدخين سيجارتك واخذ جرعه مؤقته من الكافيين .. تعود الى المكتب ... جارا وراءك احلامك النائمه ... ما ان تجلس على المقعد المخصص لاربع موظفين ( الشاطر اللي بسبق) .. تبدأ بالتقليب باجندتك .. باحثا عن الصفحة التي تحمل تاريخ اليوم ... بالنسبة للمشتغلين في المبيعات .. فإن المواعيد والزيارات هي النواه الاصيله للكون من حواليك ... لا مواعيد .. اي لا ... لا ... لا ... لا سبيل الى الهدى ... عندما تصل الى الصفحه التي تحمل تاريخ اليوم .. وقبل القاء النظره الأولى عليها .. تغمض عينيك مرتلا آي من الذكر الحكيم ان تجد ولو موعد واحد يجنبك عناء الدخول في جدليه مقيته بينك وبين مديرك عن الاسباب التي ادت بك الى هذا الحال المتردي من شح المواعيد ... تدعو الله بأن يزرع لك موعدا واحدا في دفترك ... يمكنك من الصمود لساعة أخرى أمام بركان غضب قد يندلع في أي لحظة اذا ما تعكر مزاج المديرلاسباب لا يعلمها الا الله ... الله كريم ... تفتح عينيك .. يسقط الضوء المنبعث منهما الى الصفحة .. هناك موعد مع احد العملاء كنت قد قمت بتنسيقه قبل أربعة أيام لكن شعورك الداخلي الصادق بعدم أهميته انستك  اياه ... فلم تلقي له بالا في تلك اللحظة .. لكن الحمدلله ... في الساعة العاشرة صباحا .. يبدأ جميع موظفي المبيعات بالاتصال بعملائهم لتأكيد الاجتماعات ( المواعيد) المفترض انعقادها ... في  90% من الحالات ... بكون العميل ناسي تماما انه اعطاك موعد .. ليش؟!!؟ لأنه .. لأنه لا يعير اي اهتمام لا لوظيفتك ولا حتى   لما يمكن بأي يوم من الأيام أن تمثله وظيفتك.. لماذا؟!؟ لأنه المنطق العام في الفكر الانساني والعربي منه تحديدا لديه اعتقاد جازم وراسخ بأنه موظف المبيعات ليس سوى كائن لم يوجد في هذا المكان تحديدا الا لأنه فشل في التواجد في أي مكان آخر ... كل ما يمكن ان تلصقه في شخص من الصفات الكريهة .. هي ما يشعر به تماما الغالبية العظمى من الناس اتجاه اي شخص يعمل في قطاع  ..المبيعات ... المهم .. ما علينا .. كل ما سبق هي مجرد اختلاجات تعصف في ذهن مجرد موظف مبيعات ليس الا ..  تمسك هاتفك .. وتبدأ بكتابة رقم العميل المفترض ان يكون اجتماعك معه على الساعه الحادية عشرة تماما .. ولتأكيد الموعد.. بتضغط على زر الاتصال .. خلال هذه اللحظه المفصليه في يومك ... تبدأ تردد بينك وبين نفسك (يارب يرد يا رب يرد) .. أول رنه .. ثاني رنه .. ثالث رنه .. دقات قلبك عم بتزيد .. تكثف ابتهالك الى الله ... رابع رنه .. بتبلش تفقد احساسك بمحيطك .. خامس رنه .. خدران في الأطراف . سادس رنة ... غثيان حاد مع تصبب متوسط للعرق .. سابع رنه .. التصبب يصبح شديدا مع توسع ملحوظ في بؤبؤ العين اليمين .. الرنة الثامنة .. توشك على السقوط ... ألو .. ترتبك من شدة الفرح ... العميل مكررا .. ألو .. هون برجعلك وعيك تدريجيا وبتجاوب .. ألو مرحبا سيد معتز صباح الخير.. بجاوبك العميل بنبره حذرة  .. اهلا مين معي.. (لسه ما بيعرف مين انت) ... فتجيبه .. سيد معتز معك علي من شركة المنطق .. العميل هون بيجاوبك بكل قرف وكأنك دودة اضنت العالم بما تحمله من امراض .. اهلين علي برجعلك انا باجتماع .. توت ..توت ..توت .. ويطبق العميل السماعة .. بلا ادنى شعور بالذنب .. مطبقا معها .. حجم التفاؤلات التي كنت تعتصرها طوال الطريق من منزلك .. الى مكان عملك .. لكن .. طبعك الانساني .. دائما يسعى لنسيان ما كان ... واجتثاث الخير فيما سيكون .. بترجع بعد هيك .. بتنظر لمديرك نظرة افتراس تشعره بمدى الخطر اذا ما حاول ولو بمجرد تفكير .. أن يوبخك ... بتفتح دفتر المواعيد من أول وجديد .. وبتقول يا رب.     

الثلاثاء، 24 مايو 2016

منطق الصباح

يومك الطبيعي .. تصحى الصبح .. تروح عدوامك .. توقف على اشاره .. تنظر في وجوه الناس المبتئسة .. وكل واحد اله قصه وراء بؤسه .. قرض غير قادر على سداده.. متهاوش مع مرته لانها ما كوتله القميص الازرق فاضطر يلبس الابيض الضيق عليه نوعا ما .. ووحده زعلانه عشان اختها ما عزمتها لما حكت لصاحباته ييجو يسهروا عندها .. الف وجه .. والف سبب ورا امتعاض الوجوه وعبوسها .. بتفتح الاشاره ... بتمشي بشارع بتحس انه بلا نهاية .. موعد بدء الدوام اقترب .. ومديرك بلش يرن يسأل وينك .. سيارتك قديمه يالله حامله عجالها .. بتيجي عينك على مؤشر الحراره .. .. باقي ثانيتين والسياره بتولع ..السياره بتهرب مي وانت ما خليت جراح من خريجي أكبر جامعات لندن ما ورجيتو المشكله ومافي حل .. ما حدا عارف .. بتصف عاليمين .. بتشتري قنينة مي .. بتضطر تستنا ٥ دقائق لحتى تبرد السياره ... عشان اذا فتحت الروديتر هسه المي السخنة راح تسوح ملامح وجهك ... بعد خمس دقائق .. بتفتح غطا الروديتر .. بتدير المي .. بترجع بتشغل السياره .. مؤشر الحراره رجع لمكانه الطبيعي .. لكن عينك عليه بوضعيه المتأهب .. بتمشي .. اول مطب صلابته بتحسسك انك بتسوق باحدى شوارع المريخ.. بتحتقن من شده الارتطام فيه .. لكن بتبلع .. وبتسكت .. وبتحكي كله مطب .. ما راح اخليه يعكر صفوي ( عن اي صفاء تتحدث بحق الجحيم!؟)

 بتكمل طريقك .. بتفتح الشباك لتتمتع بهواء الصيف العليل .. أو المعلول ... واثناء التهاءك بعملية فتح الشباك يدويا .. وكأنك عم تفتح مخزن في احدى ضواحي البلد القديمة اكل عليه الدهر ومات من شده العطش ... تهوي بك الارض من حيث لا تهوي .. ولا تدري .. زلزال!؟؟ بركان بنص الشارع ودخلت بالفوهة بلا اي سابق انذار!؟! حرب ذرية ونووية شنت فجأة على كل اهلك عالصبح؟!! ... لا .. انها .. مجرد .. حفرة .. مجرد حفرة ... لكن .. شعورك في تلك اللحظة الحميميه بينك وبين هواء صيفك المعتل.. تبخر ... فالحفرة هي مثلث برمودا اللي افقدك كل ذكرياتك وامالك وطموحاتك ...

بينك وبين حالك بتقول معلش .. مش مستاهل يصيبني تسارع بنبضات القلب واحتقان في كوع قولوني عشان .. مجرد حفرة ... بتستغفر ربك .. وبتقول هي هيك الحياه .. اليوم مجرد حفرة .. بس بكره اكيد .. مجرد .. مجرد !!! .. ما في اشي .. اكيد حفرة اظخم (بالظا) ... يا رب .. فلنكمل طريقنا صوب احلام بلا نوم .. احلام من شده النعاس ... 

بتكمل طريقك على انغام شكاوي المواطنين على احدى الاذاعات المحليه ... اتصال من احدى اصقاع الدولة يطلب فيه المتصل شطب مخالفة سير وقعت عليه زورا وبهتانا حسب ادعاءه .. واخر ينتقد ضجيج زوامير السيارات امام منزله ... وأُخرى تشتكي جارتها الي بتنشر غسيلها والمي بتضل تشرشر على بلكونتها ( شطفتها مبارح) ... وسائق تريللا ممتعض من كثرة الرمال على طريق صحراوي .. وموظف بلدية يريد تقديم شكوى على رئيس بلديته لانه لم يبتسم في وجهه .. في الكريدور ...

تكمل مسيرك .. والمواطنين يواصلون شكاويهم للحظة التي تشعر بها انه مقدم برنامج الشكاوي هو علاءالدين .. وكل احلامك اللحظية ستتحقق بمجرد ان يفرك المذيع الجالس خلف المايكروفون مصباحه .. لكن .. بزاوية ما من مخك الواقعي جدا .. تبدأ بتخيل المذيع في هذه اللحظه جالسا وراء مكتب .. عليه مايكروفون .. وبرميل قهوة بلا سكر .. وبكيت دخان ال ام ابيض فوقه ولاعه مطبوع عليها صورة ميسي .. ورائحة المكان تشبه رائحة حاوية نظيفه ( بس الحاوية حاوية) .. والمذيع صافن.. بشو ما حدا بعرف .. له اسباب بؤسه الخاصه اكيد ... بترجع لوعيك على وقع الصوت الاكثر ارهاقا للصحة النفسية .. الصوت الذي يشعرك دائما ويذكرك بانك في اسفل هرم المنظومة ... واللي من شده نعيقه .. بتحس بمغص قاتل يرافقه لعيان شديد .. نعم يا ساده .. انه ضو البنزين ...

 لم تكتفي الشركات المصنعه بتنبيه واحد ... زي بس ضو مثلا .. او نوع من انواع الزوامير ... بل في بعض السيارات بيجيك اعتقاد انه ضو البنزين قد يتسبب بكسر ما في جمجمه الماتور ... بتواصل مسيرك متوكلا على الله وعلى شعورك الداخلي انه كلشي بيصير معك عالصبح ماهو الا فتات مما يحدث لموظف آخر معدم في رقعه جغرافيه وزمان ما اخر ... يبدأ فاصل غنائي على الاذاعه المحلية .. أغنية صنفت اعتباطا بقاموس الفنون كمخرج فني انحسب علينا كمشاريع بشر.. وانكتب علينا نسمعها كل يوم الصبح .. ليس لما تمثله من قيمة فنية .. انما فقط لانه المذيع بحبها.. بتوطي الراديو لحين انتهاء مكب النفايات الغنائي اللي شغال.. لانه مافي اي قوة او وازع بالعالم بيستدعي انك تسمع عملية النهيق الجارية من قبل المذيع وهو بردد كلمات الاغنية .. واثناء انشغالك بالراديو .. قبل وصولك للتقاطع اللي بسبق شغلك بكيلو متر .. تبدء بصب كامل تركيزك على التقاطع كي تعبره باقل الخسائر الممكنه وباسرع وقت ممكن .. مديرك برن عليك .. توتر .. لحظة حاسمة في يومك .. لحظة وصولك التقاطع بالتزامن من اصرار مديرك على الرن عليك .. بتعمل مسح سريع للتقاطع عشان تحسب دخولك الحريص الذي يخالطه جرأة غير واعيه ... السيارات تتهافت من جميع اركان التقاطع .. والكل بفكر زيك .. اعرف انك اذا ترددت .. لن تعبر التقاطع الى ان ينفخ في الصور .. سمي باسم الله .. غمض .. وقول يا قوي ..

اضرار مثل خدش في المراي او دقره في الغماز .. لا تعد خسائر في مثل هذا الموقف .. فقد عبرت لتوك احدى تقاطعات الجحيم .. خروجك مع بقاء رأسك اعلى كتفيك ... يصنفك في خانة الرابح الاكبر ... المهم .. بتوصل شركتك .. بتصف قدام الشركة .. بدك تلحق تختم .. شرطي السير يراقبك بعيون الصقر اللي بيستنى اي عثره تمكنه من الانقضاض عليك .. تتوسله ان يمنحك ٥٠ جزء من الثانية لكي تتمكن من الوصول للختم قبل انتهاء وقت بدء الدوام .. يوافق على مضض .. بتدخل الشركة .. مسابقا الريح نحو الختم .. الشرطي بيراقب ... انت عم تلهث .. لتفاجأ باحدى زميلاتك بالعمل متسمره امام الختم من مبارح الظهر بتحاول تختم .. ما عم يزبط .. حيث انها مش مخليه كريم مش حاطيتو على ايدها .. والختم رافض .. وهي رافضة .. وانت وسط دوامة .. بعد عده محاولات واقناعها بمسح اصبعها بمنديل ما قذر او نظيف .. يتجاوب الختم .. بتختم .. وانت بتختم وراها .. وتعود مسرعا لسيارتك .. واذا .. بالمخالفة .. على زجاج السياره الامامي .. بتصير تتخيل في تلك اللحظة ان المخالفه هي عباره عن كائن حي .. بس كائن مقيت .. يعتاش على عذابات الاخرين .. يهيئلك للحظة انه ورقه المخالفه تنظر اليك مردده ضحكة عالية شريرة تقرقع في سماء مخك  ... بتنزل منك دمعه لا ارادية غير مرئية حارقة.. ممكن تشوف داخلها سيرة حياتك الصباحية كاملة ... بتبلعها .. بتوصل عمكتبك .. بتفرغ كل محتويات جيابك عالمكتب.. بتقعد.. بتاخذ نفس عميق .. بتيجي عينك عموبايلك .. رسالة (واتسابيه) .. بتكبس عليها .. مجرد ثلاث كلمات .. ثلاث كلمات تجب كل ما قبلها وكأن شيئا لم يكن .. ثلاث كلمات تكفيك لأن تعيد النظر في كل مفاهيم القرف حول العالم .. 

المرسل: أمي

الله يوفقك حبيبي