الثلاثاء، 24 مايو 2016

منطق الصباح

يومك الطبيعي .. تصحى الصبح .. تروح عدوامك .. توقف على اشاره .. تنظر في وجوه الناس المبتئسة .. وكل واحد اله قصه وراء بؤسه .. قرض غير قادر على سداده.. متهاوش مع مرته لانها ما كوتله القميص الازرق فاضطر يلبس الابيض الضيق عليه نوعا ما .. ووحده زعلانه عشان اختها ما عزمتها لما حكت لصاحباته ييجو يسهروا عندها .. الف وجه .. والف سبب ورا امتعاض الوجوه وعبوسها .. بتفتح الاشاره ... بتمشي بشارع بتحس انه بلا نهاية .. موعد بدء الدوام اقترب .. ومديرك بلش يرن يسأل وينك .. سيارتك قديمه يالله حامله عجالها .. بتيجي عينك على مؤشر الحراره .. .. باقي ثانيتين والسياره بتولع ..السياره بتهرب مي وانت ما خليت جراح من خريجي أكبر جامعات لندن ما ورجيتو المشكله ومافي حل .. ما حدا عارف .. بتصف عاليمين .. بتشتري قنينة مي .. بتضطر تستنا ٥ دقائق لحتى تبرد السياره ... عشان اذا فتحت الروديتر هسه المي السخنة راح تسوح ملامح وجهك ... بعد خمس دقائق .. بتفتح غطا الروديتر .. بتدير المي .. بترجع بتشغل السياره .. مؤشر الحراره رجع لمكانه الطبيعي .. لكن عينك عليه بوضعيه المتأهب .. بتمشي .. اول مطب صلابته بتحسسك انك بتسوق باحدى شوارع المريخ.. بتحتقن من شده الارتطام فيه .. لكن بتبلع .. وبتسكت .. وبتحكي كله مطب .. ما راح اخليه يعكر صفوي ( عن اي صفاء تتحدث بحق الجحيم!؟)

 بتكمل طريقك .. بتفتح الشباك لتتمتع بهواء الصيف العليل .. أو المعلول ... واثناء التهاءك بعملية فتح الشباك يدويا .. وكأنك عم تفتح مخزن في احدى ضواحي البلد القديمة اكل عليه الدهر ومات من شده العطش ... تهوي بك الارض من حيث لا تهوي .. ولا تدري .. زلزال!؟؟ بركان بنص الشارع ودخلت بالفوهة بلا اي سابق انذار!؟! حرب ذرية ونووية شنت فجأة على كل اهلك عالصبح؟!! ... لا .. انها .. مجرد .. حفرة .. مجرد حفرة ... لكن .. شعورك في تلك اللحظة الحميميه بينك وبين هواء صيفك المعتل.. تبخر ... فالحفرة هي مثلث برمودا اللي افقدك كل ذكرياتك وامالك وطموحاتك ...

بينك وبين حالك بتقول معلش .. مش مستاهل يصيبني تسارع بنبضات القلب واحتقان في كوع قولوني عشان .. مجرد حفرة ... بتستغفر ربك .. وبتقول هي هيك الحياه .. اليوم مجرد حفرة .. بس بكره اكيد .. مجرد .. مجرد !!! .. ما في اشي .. اكيد حفرة اظخم (بالظا) ... يا رب .. فلنكمل طريقنا صوب احلام بلا نوم .. احلام من شده النعاس ... 

بتكمل طريقك على انغام شكاوي المواطنين على احدى الاذاعات المحليه ... اتصال من احدى اصقاع الدولة يطلب فيه المتصل شطب مخالفة سير وقعت عليه زورا وبهتانا حسب ادعاءه .. واخر ينتقد ضجيج زوامير السيارات امام منزله ... وأُخرى تشتكي جارتها الي بتنشر غسيلها والمي بتضل تشرشر على بلكونتها ( شطفتها مبارح) ... وسائق تريللا ممتعض من كثرة الرمال على طريق صحراوي .. وموظف بلدية يريد تقديم شكوى على رئيس بلديته لانه لم يبتسم في وجهه .. في الكريدور ...

تكمل مسيرك .. والمواطنين يواصلون شكاويهم للحظة التي تشعر بها انه مقدم برنامج الشكاوي هو علاءالدين .. وكل احلامك اللحظية ستتحقق بمجرد ان يفرك المذيع الجالس خلف المايكروفون مصباحه .. لكن .. بزاوية ما من مخك الواقعي جدا .. تبدأ بتخيل المذيع في هذه اللحظه جالسا وراء مكتب .. عليه مايكروفون .. وبرميل قهوة بلا سكر .. وبكيت دخان ال ام ابيض فوقه ولاعه مطبوع عليها صورة ميسي .. ورائحة المكان تشبه رائحة حاوية نظيفه ( بس الحاوية حاوية) .. والمذيع صافن.. بشو ما حدا بعرف .. له اسباب بؤسه الخاصه اكيد ... بترجع لوعيك على وقع الصوت الاكثر ارهاقا للصحة النفسية .. الصوت الذي يشعرك دائما ويذكرك بانك في اسفل هرم المنظومة ... واللي من شده نعيقه .. بتحس بمغص قاتل يرافقه لعيان شديد .. نعم يا ساده .. انه ضو البنزين ...

 لم تكتفي الشركات المصنعه بتنبيه واحد ... زي بس ضو مثلا .. او نوع من انواع الزوامير ... بل في بعض السيارات بيجيك اعتقاد انه ضو البنزين قد يتسبب بكسر ما في جمجمه الماتور ... بتواصل مسيرك متوكلا على الله وعلى شعورك الداخلي انه كلشي بيصير معك عالصبح ماهو الا فتات مما يحدث لموظف آخر معدم في رقعه جغرافيه وزمان ما اخر ... يبدأ فاصل غنائي على الاذاعه المحلية .. أغنية صنفت اعتباطا بقاموس الفنون كمخرج فني انحسب علينا كمشاريع بشر.. وانكتب علينا نسمعها كل يوم الصبح .. ليس لما تمثله من قيمة فنية .. انما فقط لانه المذيع بحبها.. بتوطي الراديو لحين انتهاء مكب النفايات الغنائي اللي شغال.. لانه مافي اي قوة او وازع بالعالم بيستدعي انك تسمع عملية النهيق الجارية من قبل المذيع وهو بردد كلمات الاغنية .. واثناء انشغالك بالراديو .. قبل وصولك للتقاطع اللي بسبق شغلك بكيلو متر .. تبدء بصب كامل تركيزك على التقاطع كي تعبره باقل الخسائر الممكنه وباسرع وقت ممكن .. مديرك برن عليك .. توتر .. لحظة حاسمة في يومك .. لحظة وصولك التقاطع بالتزامن من اصرار مديرك على الرن عليك .. بتعمل مسح سريع للتقاطع عشان تحسب دخولك الحريص الذي يخالطه جرأة غير واعيه ... السيارات تتهافت من جميع اركان التقاطع .. والكل بفكر زيك .. اعرف انك اذا ترددت .. لن تعبر التقاطع الى ان ينفخ في الصور .. سمي باسم الله .. غمض .. وقول يا قوي ..

اضرار مثل خدش في المراي او دقره في الغماز .. لا تعد خسائر في مثل هذا الموقف .. فقد عبرت لتوك احدى تقاطعات الجحيم .. خروجك مع بقاء رأسك اعلى كتفيك ... يصنفك في خانة الرابح الاكبر ... المهم .. بتوصل شركتك .. بتصف قدام الشركة .. بدك تلحق تختم .. شرطي السير يراقبك بعيون الصقر اللي بيستنى اي عثره تمكنه من الانقضاض عليك .. تتوسله ان يمنحك ٥٠ جزء من الثانية لكي تتمكن من الوصول للختم قبل انتهاء وقت بدء الدوام .. يوافق على مضض .. بتدخل الشركة .. مسابقا الريح نحو الختم .. الشرطي بيراقب ... انت عم تلهث .. لتفاجأ باحدى زميلاتك بالعمل متسمره امام الختم من مبارح الظهر بتحاول تختم .. ما عم يزبط .. حيث انها مش مخليه كريم مش حاطيتو على ايدها .. والختم رافض .. وهي رافضة .. وانت وسط دوامة .. بعد عده محاولات واقناعها بمسح اصبعها بمنديل ما قذر او نظيف .. يتجاوب الختم .. بتختم .. وانت بتختم وراها .. وتعود مسرعا لسيارتك .. واذا .. بالمخالفة .. على زجاج السياره الامامي .. بتصير تتخيل في تلك اللحظة ان المخالفه هي عباره عن كائن حي .. بس كائن مقيت .. يعتاش على عذابات الاخرين .. يهيئلك للحظة انه ورقه المخالفه تنظر اليك مردده ضحكة عالية شريرة تقرقع في سماء مخك  ... بتنزل منك دمعه لا ارادية غير مرئية حارقة.. ممكن تشوف داخلها سيرة حياتك الصباحية كاملة ... بتبلعها .. بتوصل عمكتبك .. بتفرغ كل محتويات جيابك عالمكتب.. بتقعد.. بتاخذ نفس عميق .. بتيجي عينك عموبايلك .. رسالة (واتسابيه) .. بتكبس عليها .. مجرد ثلاث كلمات .. ثلاث كلمات تجب كل ما قبلها وكأن شيئا لم يكن .. ثلاث كلمات تكفيك لأن تعيد النظر في كل مفاهيم القرف حول العالم .. 

المرسل: أمي

الله يوفقك حبيبي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق